المدير العام Admin
عدد المساهمات : 3908 تاريخ التسجيل : 27/02/2013 العمر : 33 الموقع : https://www.facebook.com/aljenral.tito?ref=tn_tnmn
| موضوع: سطور وفاء .. على مائدة الإفطار الجمعة يونيو 14, 2013 9:29 pm | |
|
سطور وفاء .. على مائدة الإفطار |
شعورٌ عميقٌ من فرح احتلني لمّا رأيتكَ بهيبتكَ المعهودة تنيرُ الشاشة الفضّية .. تسمّرتُ لحظة ، فقد فاجأتني زيارتكَ في هذه الأمسية الرمضانية ، وأسعدتني كثيراً ،أخذتُ أصغي إلى صوتكَ الهادئ القادم من بعيد ... جداً ... وكأنّي بهذا الصوت أستعيدُ ذكريات من زمانٍ مضى ، ذكريات كان للأيام طعماً عذباً ، غير هذا الطعم المرّ الذي نتجرعه رغماً عنا في كلّ يومٍ وليلة .. رفعتُ الصوت قليلاً بجهاز التحكّم ، وعرفت أن صوتك سينوبُ عني في مناداة أهل الدار .. هرولوا جميعاً إليكَ دون وعي ، وبينهم المتعب والجائع والذي غالبه النعاس ! نسوا كلّ شيء لحظة ناديتهم .. وجلسوا بصمتِ يصغون لحديثٍ ماتعٍ لا ينسى عن ذكرياتكَ الرمضانيّة .. تحدّثتَ كعادتكَ بعفوية محببة ، وبلغتك الفصحى الموشّاة بآثار شاميّة ، ذكّرتني بلحظات قصيرة جمعتنا بكَ في سالفِ الزمان ، ( على مائدة الإفطار ) كنتَ تبرعُ فيها بجلب الانتباه إلى حديثٍ ينسنا الجوع بلحظة ، ليغذّينا غذاءً للروحِ يغنيها عن كلّ مطعم ومشرب .. ويعمّق في داخلها حبّ الإسلام فتنطلقُ داعية إليه عبرَ سلوكٍ وعملٍ أسسته في مدرستكَ منطلقاً من القرآن والسّنة ، منافحاً عن عقيدة التوحيد ، داعياً لأن يكون المسلم خليط حبّ وعلم وعمل واعتقاد .. كلّ ذلكَ كنت تسقيه لنا ببراعة في حديثك اليومي .. فنشرب دون ارتواء ! في لحظاتٍ قليلة كنت تصلحُ آفات قلوب ، وتعمرُ بنيان نفوس ، وتسقي جذور أرض افتقرت إلى رواء .. في لحظاتٍ قليلة كنت تجدّدُ حياة ، وتسدّ منافذ شيطانٍ وهوى ، وتزرعُ آمالاً بطيب مقال . يا صاحب الحرف البديع ، والقلم الذهبي ، لله درك ! كم طاب ممشاكَ في قلوب المسلمين ، وكم كان له من معانٍ .. مضت لحظاتك الحلوة معنا بسرعة البرق واختفت طويلاً .. وتقلّب على أمتنا الزمان فأنهكها ، وأغرقتها الحروب والويلات .. وها هي حروفكَ تأتي تخلّدُ طيب ذكريات مضت ، وتذكرنا بأيامٍ خلت .. كنا فيها بألفِ خير ، قبل أن تتراخى همّتنا ، وتتناوشنا الغفلة فتمزّقنا إلا أشلاء مبعثرة .. ها أنتَ تأتي رغم برد الزمانِ لتدفئ أمسيتنا الرمضانية بجميل قولٍ ، ثم تستأذن متعجلاً وتمضي .. ويبقى الصمتُ عنواناً لأهل الدار .. وكأني أسمع في القلوب نداءات وابتهال ودعاء لكَ بالرحمة .. تركتهم وفي العين دمعة ، وناديتُ القلم والأوراق ورحتُ أخط سطور وفاء ، لأهل الجود والكرم والوفاء .. لعملاقٍ تركَ في القلبِ أبلغ أثر ، ثم مضى ، ولم يمضِ الأثر ..
رحم الله الشيخ الأديب علي الطنطاوي وأسكنه فسيح جنّاته . | |
|