الصيام والتوحيد
الصيام والتوحيد
الصيام والتوحيد
الصيام والتوحيد
قال صلى الله عليه وسلم : «بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم,
لا يكمل إسلام العبد إلا بالقيام بأسس ودعائم وأركان الإسلام، التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ومثل صلوات الله وسلامه عليه لهذه الأسس والدعائم بالبناء العتيد المحكم الثابت، الذي لا يقوم إلا على قواعد وإلا انهار على أهله، وبقية خصال الإسلام الواجبة متممة له، كما أن البناء له تتمام ضرورية لا يستغنى العبد عنها، والدعائم الربعة المذكورة مبنية على الشهادة، لأن الله لا يقبل منها شيء دون الشهادة.
وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله من أعظم دعائم الإسلام، لأن بها يعصم الدم والمال، قال صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم واموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» رواه مسلم.
وبها يتقبل الله ما شرع لنا من أعمال، وبها دخول الجنة والنجاة من النار قال تعالى {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 4] وبها تغفر الذنوب مما عظمت.
ومعناها الإقبال والخضوع لله بالعبادة الصادقة، والبراءة من عبادة كل ما سوى الله، فهو إله الحق في الوجود، وكل ما سواه من آلهة باطلة.
ومعنى محمد رسول الشهادة بأنه مرسل من عند الله، تجب محبته، وطاعته فيما أخبر، وألا يقدم على قوله قول أحد.
وكلمة التوحيد ولاء لشرع الله: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون} [الأعراف: 3].
{فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30].
وكلمة التوحيد براء من الجاهلية: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون} [المائدة: 50].
وبراء من كل دين غير دين الإسلام: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85].
وقد جاء القرآن من أوله إلى آخره يبين معنى لا إله إلا الله، بنفي الشرك وتوابعه، ويقرر الإخلاص وشرائعه، فكل قول وعمل صالح يحبه الله ويرضاه هو من مدلول كلمة الإخلاص، لأن دلالتها على الدين كله إما مطابقة وإما تضمنًا وإما التزامًا، ويقرر ذلك إن الله سماها كلمة التقوى.
والتقوى: أن يتقي سخط الله وعقابه بترك الشرك والمعاصي، وإخلاص العبادة لله، وإتباع أمره على ما شرعه، كما قال ابن مسعود (رضي): «أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله».
والتوحيد هو معنى لا إله إلا الله، الذي مضمونه أن لا يعبد إلا الله، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل فضلاً عن غيرهما.
والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبةً له وإجلالاً ومحبةً وخوفًا ورجاءًا وتوكلاً عليه وسؤالاً منه، ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل.
فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك.
قال عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].
فأخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به، أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به، ويغفر ما دون ذلك، أي من الذنوب لمن يشاء من عباده.
وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره وهو أول دعوة الرسل، وآخرها، وهو معنى قول: لا إله إلا الله، فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والإجلال والتعظيم وجميع أنواع العبادات.
والتوحيد هو أعظم الأصول التي يقررها القرآن ويبرهن عليها توحيد الألوهية والعبادة أو هذا الأصل العظيم هو أعظم الأصول على الإطلاق، وأكملها، وأفضلها، وأوجبها وألزمها لصالح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله، وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لقيامه، وبوجوده يكون الصلاح، وبفقده يكون الشر والفساد.
فتبين بهذا أن الشرك أعظم الذنوب، لأن الله تعالى أخبر انه لا يغفره، أي إلا بالتوبة منه، وما عداه، فهو داخلٌ تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفره بلا توبة وإن شاء عذب به.
وهذا يوجب للعبد شدة الخوف من هذا الذنب، الذي هذا شانه عند الله.
وإنما كان كذلك، لأنه أقبح القبح واظلم الظلم، إذ مضمونه تنقيص رب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره؛ ولأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر مناف له، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين، والاستكبار عن طاعته، والذل لهن والانقياد لأوامره.
فحقيقة التوحيد أن نعبد الله وحده، فلا يرى إلا هو، ولا يخشى إلا هو، ولا يتقي إلا هو، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يكون الدين غلا له، لا لأحد من الخلق، وأن لا نتخذ الملائكة والنبيين أربابًا.
واعلم رحمني الله وإياك أنه لا تصح عبادة من العبادات ولا تتقبل إلا بالتوحيد، فلا يقبل صومه ولا صلاة ولا زكاة ولا حج إلا من عبدٍ حقق التوحيد وتوقى من التنديد والإشراك بالله.