الصراع بين الشباب والشيوخ . بين جيلين . الفكر المتطور . تطور الافكار . بين الحاضر و ‏

التطور سنة الله في كونه ، والتجدد مع التطور حياة ونماء، ولكن من تآلف مع نسق من أنساق العيش يصعب عليه التخلي عنه بسهولة ولاسيما عندما يتقدم في السن؛ لذلك نشأ عبر العصور صراع بين الجيل الراشد والجيل الناشئ، بين المحافظين والمجددين.
فهل كل جديد هو أفضل من القديم؟ وهل يعني التطور والتجدد نسفا لكل قديم وتنكرا للماضي؟ أوليست الحضارة خلاصة التجارب الإنسانية على مر العصور ؟ فكيف يمكن إذاً تحقيق التطور والتجديد مع المحافظة على قيم الماضي وإنجازاته الإنسانية ؟
إنا في زمن يهزؤون فيه بالشيخوخة لأنها شيخوخة . هذا هو اعتداد الكثيرين من الشباب ، ولا عجب، فالصراع - كما نلاحظه- قائم أبدا بين الشيوخ والشباب.
نبدأ في البيت ، فالشيخ لا يعجبه شيء من أعمال ذريته وهذه غريزة المحافظة على السيادة التي فقدت أو كادت . يريد الشيخ أن تمشي الأمور على عقله. يكون ابنه في الثلاثين وما فوق ، وإذا أتى ما لا يقره عليه ولم يستطع أن يسيره كما يروم هز رأسه ، وقال : " أولاد " .
وإذا خرجنا من البيت الأبوي عثرنا على أشكال لا تحصى من هذا الصراع في جميع ميادين الحياة. رأينا الجيل النازل لا يعجبه إلا القليل مما يعمله الجيل الطالع ، والجيل الطالع لا يعجبه شيء من أعمال السلف ؛ يريد أن يقوّض أساس ما بناه السابقون، وهذا هو ناموس الحياة الخفي، فالشباب يسعون ليتفوقوا على شيوخهم ، والشيوخ يناضلون عن صرحهم ليظل شامخا ، وهم لو قدروا لردوا الناس على عهد المغاور .
واليوم وقد فتحت السماء وطرنا إلى ما فوق الفضاء ، وفكرنا في التسابق إلى استعمار الجوار واحتلال القمر، فهل يكون الفضل هذا للشباب وحدهم أو للشيوخ وحدهم ؟ لا لعمري ، ليس في الميراث الإنساني شيوخ ولا شباب ، بل همم وطاقة وحميّة . فالنبوغ قريحة توجد أولا، وعمل يوجد أولا وآخرا ، وما دام عقلك صالحا للأخذ والإعطاء فلا تضير الشيخوخة أحدا ، كما لا تنفع الشبوبية شيئا إذا كانت بلا طاقة .
إن خيط العبقرية يمتد من المهد ولا ينتهي إلا في اللحد ، والأدلة على ذلك كثيرة. فإذا استقرينا التاريخ أنبأنا أن الأعمال الجليلة ، في كل ميدان، كان فرسانها من الشيوخ والشبان . العبقرية كالأرض الطيبة التي تخرج نباتها بإذن ربها ، ثم تعطيك بقدر ما تحرثها و تغذيها .
لا يغرنّك شبابك إذا كنت شرخًا ، ولا تهولنّك شيخوختك إذا كنت هرمًا ، فالقصة قصة طاقة وعلى قدر طاقتك يكون إنتاجك. الفتوة وحدها لا تكفي ، فليست المسألة مسألة سن. فربَّ فتى خَرِفَ في الثلاثين، وربَّ شيخ ظل فتيَّ الفكر في الثمانين والتسعين .
الأديب / مارون عبود

» للتخلص من حب الشباب | علاج حب الشباب
» جدول تطور الطفل من شهر الى سنه
» سؤال السيادة في الفكر الإسلامي المعاصر
» حب الشباب
» خل التفاح وحب الشباب