سؤال السيادة .. والإجابات المتعثِّرة
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
عرضنا في مقالة: (سؤال السيادة في الفكر الإسلامي المعاصر) لاتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر في الجواب عن سؤال السيادة، وتبيّن من خلالها أن ثم رؤية واضحة في إجابة هذا السؤال لدى عامة الباحثين في الفكر الإسلامي المعاصر، مضمون هذا الجواب أن (السيادة للشرع والسلطان للأمة)، فسيادة الأمة سيادة تنفيذ لأحكام الشريعة ولها صلاحية اختيار من يحكمها ومراقبته، ولا يجوز اغتصاب هذا الحق منها بلا رضا ومشورة منها، وهو معنى تتفق عليه جميع الاتجاهات وإن اختلفت في اختيار الصياغة المناسبة.
هذا الوضوح لدى عامة الباحثين يقابله حالة من التناقض والارتباك أحدثه (سؤال السيادة) مع عددٍ من الإسلاميين لم يتمكنوا من الجزم بوضوح بأن سيادة الأمة لا يمكن أن تتجاوز سيادة الشريعة، وأن صلاحيات الأمة مفتوحة الفضاء ما لم تخالف الشريعة، بل جعلوا لهذه السيادة مشروعية وقبولاً ولو رفضت الشريعة وتجاوزتها.
فيقرّر أحدهم أن الشريعة ليست قيداً على السيادة، وإنما هي محل للسيادة!
فـ (لا تمثل الشريعة الإسلامية قيداً على سيادة الأمة، وإنما هي محل لإعمال هذه السيادة أفاء بها الله لمخلوقاته، فسيادة الأمة مطلقة مستنيرة لا قيود عليها)[1].
وشرعية القوانين إنما تحدّد بحسب قناعات الناس لا بحسب اعتبار الشريعة لها:
فـ (شرعية الأحكام والقوانين لا تتوقف على اعتقاد فئة من الناس اتفاقها مع مبادئ الحق أو مخالفتها له، بل تتوقف على قدرة هذه الفئة على إقناع الجمهور بمصداقية رأيها وفاعلية اجتهادها)[2].
فالأمر بالمعروف بالإلزام يكون بحسب ما هو معروف ومتّبع لدى الأمة، وليس بحسب ما هو معروف في الشريعة:
(الائتمار بين الناس ينحصر فقط فيما أصبح معروفاً بينهم عرفاً متّبعاً عندهم، أما ما خرج عن العرف من الحق والخير فتتحدّد مسؤولية الأمة في الدعوة إليه وتبليغه إلى الناس بالحكمة والموعظة الحسنة)[3].
ولأن المشروعية بيد الأمة بشكل مطلق فلا تفرض الشريعة إلا عبر إرادة الأكثرية:
فـ (لا يحق لأي أقلية إسلامية في مجتمع ما أن تطالب بتطبيق الشريعة وفرضها على الناس بقوة الحديد، بل يلزمها العمل لجعل مبادئ الإسلام وقيمه عرفاً مقبولاً بين الناس)[4].
حتى إن كان الحكم شرعياً مقطوعاً به:
(فإن إيمان المؤمن بوجوب أمر ديني عليه لا يعطيه الحق بفرضه على الآخرين، فهو مكلف به ديناً، وذلك لا يكفي لجعله قانوناً عاماً في المجتمع، بل عليه أن يحاول إقناع الآخرين به حتى يتبناه المجتمع بالطرق الديمقراطية)[5].
فلا نقول إن الشريعة قيد على سلطة الأمة، بل إن الأمة لها مطلق التشريع وهي لن تخالف الشريعة!
(لا حرج علينا لو قلنا إن الإسلام ديمقراطي وإن الشعب المسلم هو مصدر السلطات جميعاً وهو يغير القوانين ويسنها حسب ما يوحي إليه عقله، وكل ما لم يسوغه عقله يضرب به عرض الحائط ويخرجه من الدستور إخراجاً؛ لأن العقل المسلم لا يمكن أن يحيد عن شرع الله، ومن حاد عقله عن ذلك فهو ليس بمسلم وليس بداخل في الشعب)[6].
فالحكم بالشريعة هو من حكم الشعب لأنها دين الشعب!
(إن الحكم الذي يكون قولاً وفعلاً متجسد العدل هو حكم الشعب، والشرع الذي يكون قولاً وفعلاً شرع العدل هو شرع الشعب، وتتجلى سيادة الشعب أول ما تتجلى في حقه في اختيار نظام حكمه، وحقه في التشريع لهذا النظام، وحقه في اختيار حكامه، وحقه في المشاركة في الحكم)[7].
(فهي التي تؤمن بأن ما يصدر عن الله هو الحق وما هو عن غير الله فبالشورى التي هي الحق أيضاً)[8].
فالمشروعية في النهاية بيد الأكثرية، سواءً اختارت الشريعة أو غير الشريعة:
(فإن اختارت الأمة منظومة القيم والمبادئ الإسلامية مرجعية عليا وإطاراً للتشريع والقوانين، فلا يحق لأحد أن يفتئت عليها أو يفرض ما يناقض ويعارض مرجعيتها الدستورية، وإن اختارت تعطيل الشريعة فسيكون الموقف إعلان الإنكار والاعتراض الواضح لهذا الاختيار، مع القبول والإقرار السياسي به نتيجة للمسار التعاقدي الدائم)[9].
حقيقة الخلاف مع هذا الاتجاه:
إن كان الفكر الإسلامي قد شاعت فيه مقولات (السيادة لله، السيادة للأمة، السيادة المزدوجة)، فهذه الاتجاهات لا تختلف في المضمون، أما الخلاف هنا فهو خلاف حقيقي، فالإشكال هنا ليس في الصياغة ولا في تحديد مفهوم السيادة، إنما الخلاف هنا في الموقف من حاكمية الشريعة، فهي هنا تابعة لإرادة الأكثرية حتى تكون منسجمة مع مفهومها في الفكر السياسي الغربي.
ولا يغب عن بالك أن الخلاف في كل ما سبق ليس في موقفٍ من حزب إسلامي أو شخصية إسلامية أو قضية اجتهادية، الحديث عن أصل الحكم بالشريعة بقطعياتها المجمع عليها.
وحين تجعل سيادة الشريعة تابعة لسيادة الأكثرية فعدا ما فيه من إشكالات - سنتحدث عنها بعد قليل - فإن الشريعة نفسها ستكون محكومة بما لا يخالف المفاهيم المعاصرة التي جاءت بهذه السيادة.
وهو معنى ظاهر، يقول د. رضوان السيد: (إصرار الإسلاميين على مرجعية الشريعة وليس الشعب له دلالته، فهناك أحكام قطعية في الشريعة في مسائل الحدود والقصاص والحقوق والواجبات لفئات المواطنين تعتبرها نخب اجتماعية وثقافية واسعة منافية لحقوق الإنسان وضرورات المساواة بين المواطنين، وهي كذلك بمقاييس العصر التي تسود العالم اليوم)[10].
ولهذا ذهب أحد الباحثين إلى أن: (الإمبراطورية الإسلامية – شأنها شأن كل إمبراطورية - لم تتأسّس على عقد اجتماعي يسوي بين مواطنيها، وما كان فيها من تسامح ديني وسياسي - يستحق الفخر والإشادة في سياقه التاريخي - ليس قريباً مما نطمح إليه من تحقيق مفهوم المواطنة المعاصر)[11].
فالنظام السياسي الإسلامي يجب أن (يعدل) وفق المواصفات الشائعة في الثقافة الغربية.
لأن بناء الدولة الإسلامية الذي كان قائماً (على قانون الفتح وأخوة العقيدة كما كان حال الإمبراطورية الإسلامية، لم يعد مناسباً أخلاقياً ولا ممكناً عملياً، فالدول المعاصرة لا تتأسّس على الاشتراك في الدين أو العرق، بل على أساس الجغرافيا)[12].
(وليس يعني هذا أن العلمانية الغربية هي الحل لعقدنا السياسية الحالية، الحل هو الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية)[13].
فحين تنزع عن الدولة رابطتها، وتجعل لها رابطة عقدية جديدة تتغير بسببها الأحكام الشرعية، فأي فرق بين (الدولة العلمانية) وهذه الدولة ذات المرجعية الإسلامية!
ظاهرة (التلفيق) بين المفهوم الإسلامي والغربي:
هذه الآراء المتعثرة تتفاوت فيما بينها، لكنها تنطلق من إشكالية موحدة، هي ظاهرة التلفيق بين المفهوم الإسلامي والغربي، فهي تريد تحقيق سيادة الأمة بمفهومها الغربي، وتريد في الوقت نفسه أن لا تتعارض مع الشريعة، وهذا التلفيق لا يمكن أن يستقيم إلا عبر الوقوع في عدد من المحاذير الشرعية.
وليس هذا جديداً على الفكر الإسلامي، ففي ذاكرته عدد من النماذج التلفيقية وقعت في أوقات متباعدة وفي أبوابٍ مختلفة، إلا أن دافعها المحرك لها ثابت لم يتغير.
أصول التلفيق في مفهوم السيادة:
هنا عدد من الأصول التي تستند إليها فكرة التلفيق لتقريب مفهوم السيادة الغربي وتخريجه في صورةٍ يتوهم أنها لا تعارض الإسلام:
الأصل الأول: أن حكم الشريعة إنما يكون من خلال تصويت الأكثرية، لأن أي حكم بخلاف ذلك فهو إكراه، والله تعالى يقول {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
الأصل الثاني: أن المشروعية الدينية لا تستلزم المشروعية السياسية، فالسيادة للشريعة ديناً لا يجعلها مشروعة سياسياً، فالمشروعية السياسية تستند إلى رأي الأكثرية.
الأصل الثالث: أن سيادة الأمة هي الطريق الأمثل لحكم الشريعة في عصرنا الحاضر، وليس بيد الناس استطاعة شرعية لتطبيقها من دون هذا الطريق.
الأصل الرابع: أن سيادة الشريعة لا تطبق إلا عبر الناس أنفسهم، فإن لم تجعل السيادة بيد الناس فستجعلها بيد المتغلب، وكونها بيد الناس أضمن، كما أنهم هم المكلفون بتطبيق الشريعة.
وعامة ما يقال في هذا السياق لا يخرج عن هذه الأصول الأربعة.
مناقشة الأصل التلفيقي الأول:
يقول هذا الأصل أنه لا بد من رضا الأكثرية وإلا كان إكراهاً.
وهذا التلفيق يخالف المنهج الإسلامي في أساسين:
الأساس الأول: أن تسمية حكم الإسلام هنا (إكراهاً) هي تسمية منطلقة بحسب الرؤية الديمقراطية، وليست بحسب الرؤية الإسلامية، فالاختيار حسب المفهوم الديمقراطي الليبرالي يتحدد من خلال التصويت الانتخابي، وأي حرمان منه فهو إكراه، وأما الاختيار في التصور الإسلامي فهو تابع للإسلام، فالمسلم حين يدخل في الإسلام فقد اختار أن يحكم بالإسلام، فليس هناك درجة أخرى من الاختيار {وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْـمُؤْمِنِينَ} [النور: 47]، فالرضا بحكم الإسلام هو من لوازم إيمان المسلم، فكما أن المسلم لا يختار بعد إسلامه أن يصلي أو يصوم أو يبر والديه، فكذلك لا يختار حكم الإسلام.
إذن، فحين تحكم المسلمين بالإسلام فهذا من اختيارهم، وليس فيه أي إكراه، فالاختيار يعرف بدخولهم في الإسلام، وليس بإجراء انتخابي معين، فقبل أن نستدل بآية الإكراه يجب أن نستوعب أن هذا الإكراه هو (إكراه ديمقراطي ليبرالي)، وليس هو (الإكراه الشرعي).
الأساس الثاني: أن تحكيم الإسلام وخضوع الناس لحكمه وقوانينه ليس من الإكراه في شيء، ولا علاقة له بقوله تعالى {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، فجعل هذه الآية ذريعة لتعطيل الشريعة غلط وفهم منحرف عنها، ويظهر هذا من وجوه:
1 - أن علماء التفسير قد اختلفوا في تفسير هذه الآية إلى ما يزيد على ستة أقوال ليس فيها أي إشارة إلى أنها تشمل المسلمين، بل كل الأقوال ترجع إلى الكفار بعدم إكراههم على ترك دينهم والدخول في الإسلام قسراً أو التعرض لهم إن دفعوا الجزية، ولم يقل أحد بتاتاً إنها تشمل المسلمين[14].
2 - أن تحكيم الشريعة ليس من الإكراه في الدين، فهو خضوع لقوانينها وأحكامها، وليس فيه إكراه أحد على مخالفة دينه.
وعلى افتراض أن ذلك إكراه، فالعموم في الآية (عموم في نفي إكراه الباطل، فأما الإكراه بالحق فإنه من الدين، وهل يقتل الكافر إلا على الدين)[15].
3 - أن أحكام الإسلام كانت تطبق في الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، تطبق على المسلم والكافر، وما كان يؤخذ آراء الناس لمعرفة رضاهم أو سخطهم، بل إن الفتوحات الإسلامية أخضعت بلداناً كثيرة ولم تخيرهم في حكم الإسلام وهم غير مسلمين، فكيف تخير المسلمين في حكمهم بالإسلام؟
4 - والقول بأن تحكيم الشريعة من الإكراه في الدين يلزم منه نفي وجود أي إكراه في الدين، منافٍ لحقيقة الإسلام، ففيه واجبات ومحرمات وحدود وعقوبات، فلازم هذا القول أن يجعل الإسلام رسالة روحية محضة ليس فيها أي إلزام سياسي – كما هي الرؤية العلمانية -، وأما القول بأن الإسلام فيه إلزامات مع القول بعموم (لا إكراه في الدين) لكل إكراه، فظاهر التناقض!
لهذا؛ لا تجد هذا الفهم عند أحدٍ من المتقدمين، فتفسيرهم للآية ينسجم مع فهمهم لأصول الشريعة وقطعياتها، فلا يمكن أن يقول بأن الآية مطلقة العموم في كل إكراه، لأن هذا ينقض أحكام الإسلام بوضوح، لهذا (لم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذه الآية ليست على ظاهرها، لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد على دينه)[16].
5 - لا إشكال لدى أصحاب هذه الدعوى من تطبيق الشريعة إن جاءت بتصويت الأكثرية، إذن كيف تكره الأقلية على ذلك ما دام أنه لا إكراه في الدين حسب تصوركم؟ ثم لو أراد بعض من صوت مع الأكثرية أن يتراجع فهل يكره على الدين لمجرد أنه شارك في التصويت؟
فإذا كان تحكيم الشريعة إكراهاً، فلا يجوز تطبيقه على الأقلية ولو أرادت الأكثرية، فعجيب أمر هذا التطبيق، يكون إكراهاً ثم يزول الإكراه بمجرد تصويت الأكثرية! وكأن الآية تقول {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} إلا إن اختارت الأكثرية فأكرهوا الأقلية عليه!
والظريف – والمؤسف - أن الأكثرية هذه متعلقة بنسبة غير محددة، فيمكن أن تكون 70% أو 60% أو أقل أو أكثر، فأي جرأة على الله فوق أن تحدد نسبة معينة تقول هي التي أعرف من خلالها أن هذا إكراه داخل في مراد الله في قوله تعالى {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
فقاعدة (لا إكراه في الدين) أرادوا بها أن تكون (عذراً) في ترك تطبيق الشريعة إن رفضت الأكثرية، وهي في الحقيقة تلغي تطبيق الشريعة بالكلية ولو أرادت الأكثرية!
أرأيتم كيف ظهرت إشكالية التلفيق؟
يريد يحكم بالشريعة، ويريد حكم الأكثرية، فيأتي بمفهوم (لا إكراه في الدين) فيتورط معه لأنه يؤدي به إلى تعطيل الشريعة وعدم الحكم بها أبداً!
ويجعل (لا إكراه في الدين) عاماً يشمل الحكم بالشريعة فيتورط لأنه يؤدي لإلغاء كل الإلزامات في الشريعة حتى تكون رسالة روحية علمانية!
مناقشة الأصل التلفيقي الثاني:
يقول هذا الأصل: إن سيادة الشريعة جانب ديني، وحتى يحمل صفة (المشروعية السياسية) لا بد له من الرجوع إلى رأي الأكثرية!
من طبيعة أي تلفيق أنه يحتاج لحذف شيء من أحد الطرفين حتى يستطيع أن يلفق بينهما.
والذي حصل هنا أنه حصل حذف في أحكام الإسلام فجُعلت دينية وليست سياسية، وهذا مفهوم لا تعرفه الشريعة..
لماذا؟
لأن الشريعة نظام حياة ونظام دولة وليست رسالة روحية منزوية عن الواقع، فالأحكام الدينية حسب تصور الإسلام، هي أحكام سياسية.
فأي حكم في الواقع يخالف الشريعة فالمسلم مأمور بتغييره (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)[17]، وأحكام الإسلام يجب أن تكون هي الحاكمة والفيصل بين الناس في حقوقهم ومنازعاتهم {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، وأي قرار سياسي يجب ألا يخالف الشريعة وإلا فلا اعتبار له (إنما الطاعة في المعروف)[18]، (ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)[19]، وأي نظام فمشروعيته مقيدة بالشريعة (إلا أن تروا كفراً بواحاً)[20].
فحين تستحضر هذه الأحكام يتضح لك صورة الأحكام في الإسلام، فالأحكام الدينية هي أحكام سياسية، والأحكام السياسية لا مشروعية لها إن خالفت الأحكام الدينية، فتصور الحكم الديني منعزلاً عن الحكم السياسي هي رؤية علمانية لا علاقة لها بالشريعة[21].
فحين يقول إن تطبيق الشريعة واجب ديناً، لكنه يحتاج لمشروعية سياسية، فهو يتحدث عبر منطق مختلف عن الشريعة، فوجوب تطبيق الشريعة هو تطبيقها سياسياً وتغيير أي مخالفة لها ورفض أي قرار ينافيها، وهذه كلها أحكام سياسية، أما مجرد الاعتقاد بوجوب التطبيق من دون تطبيق أي شيء، فهذا ليس هو الواجب ديانة، بل إن الخلاف مع الفكر العلماني إنما هو في تطبيق الشريعة وليس في اعتقاد تطبيقها، والأمر القرآني جاء في تطبيق الشريعة وليس في مجرد الاعتقاد {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤].